تحطيم القيود
د. عبد الحميد البلالي
عملية التحطيم للأمور الضارة أمر لا بد منه، وهام للغاية
لاكتساب القوة والتحرر الكامل من كل قيود المعاصي والضعف، للأسباب التالية:
1- دليل
الصدق التحرر والتوبة.
2- إثبات
عملي لقوة الإرادة.
3- إن وجود
صنم المعصية بالرغم من التحرر منه قد يساعد في العودة إلى المعصية من المتحرر أو
ممن هم قريبون منه.
تحطيم الأصنام:
الأصنام وأبو الأنبياء:
إنها صرخة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام عندما
أطلقها في وجوه قومه الكافرين: (و تالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين،
فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون) (الأنبياء 57،58).
إنه يتعرض لأعظم معاصي قومه، وهو الشرك الذي يمنعهم من رؤية
الحق، ومن ثم التحرر من هذا القيد يمنعهم من الانطلاق إلى عالم القوة،
ويجعلهم في القاع.
إنه يريد أن يثبت لهم أن الهالة التي وضعوها هم أنفسهم
حول هذا الصنم أكبر بكثير من واقعه، وأنه لا يملك حولاً ولا قوة، وأنه أضعف
مما يتوقعون، وأنهم أقوى منه إذا ما قرروا الانعتاق من قيده، ليكون ذلك
رمزاً لكل انطلاق نحو المعالي.
خاتم الأنبياء والأصنام:
عندما بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كانت الأصنام
تملأ مكة المكرمة، وكان حول الكعبة وحدها أكثر من ثلاثمائة صنم، وكانت
رمزاً للشرك بالله تعالى ودليلاً على الضعف والتخلف، فما أن تم فتح مكة
حتى بدأ بتهديم الأصنام، ثم بدأ بتهديم بيوت الأوثان، فبعث سرية بقيادة
الصحابي الجليل خالد بن الوليد لهدم العزى، وسرية أخرى بقيادة سعد بن زيد
الأشهلي لهدم مناة، وسرية عمرو بن العاص إلى سواع، وهكذا حطم النبي صلى الله
عليه وسلم القيود التي كانت تحول دون انطلاق هذه الأمة إلى فضاء العالم
وقيادته، إنه أراد أن يعلمهم أن التوبة الحقيقية والانطلاق الحقيقي إلى
عالم القوة لن يتم إلا بتحطيم قيود المعاصي.
تكرار هدم الأصنام:
لقد استقر في نفوس المؤمنين هذا المعنى العظيم من معاني
تهديم الأصنام وتحطيمها، فلا ترى تائباً حقاً إلا ورأينا مع توبته عملية
تحطيم الأصنام.
فهذا يتوب من الخمر فيكسر دنانه وزجاجته، وهذا يتوب من
المخدرات فيقوم بحرقها وإتلافها. وهذا يتوب من سماع الأغاني، فيقوم
بتكسير وتمزيق أشرطتها أو تحويلها إلى علوم شرعية، وهذا يتوب من رؤية
صور الدعارة فيقوم بتمزيقها، وهذا يتوب من الغناء والموسيقى فيقوم بتكسير
آلات العزف، وهكذا تتكرر عملية تحطيم الأصنام كلما أراد مؤمن ولوج طريق
التوبة والانطلاق إلى عالم القوة.
أصنام أخرى:
إن هناك أصناماً وقيوداً أخرى غير هبل ومناة والعزى
يجب تحطيمها في النفوس ليسهل الانطلاق من أبرزها (الجزع، والتوتر، والغضب،
واليأس والتشاؤم، والهوى، والصغائر، والكبائر وغيرها).
قيد الجزع:
ما هو الجزع؟
يقول الإمام المناوي: ((الجزع حزن يصرف الإنسان مما هو
بصدده، ويقطعه عنه قهراً)).
وقال
الجاحظ: (الجزع خلق من مركب من الخرق والجبن) وقال أيضاً: (الجزع مستقبح ومكروه إذا لم
يكن مجدياً، فأما إظهار الجزع لتمحل حياة بذلك عند الوقوع في الشدة، أو استغاثة مغيث، أو اجتلاب
معنى فغير مكروه ولا يعد نقيضه).
أسباب الجزع:
ذكر الإمام الماوردي خمسة أسباب للجزع وهي باختصار:
1- تذكر
المصاب حتى يتناساه، وتصوره حتى لا يعزب عنه.
2- الأسف
وشدة الحسرة، فلا يرى من مصابه خلفاً، ولا يجد لمفقوده بدلاً، فيزداد بالأسف
ولهاً، وبالحسرة هلعاً.
3- كثرة
الشكوى، وبث الجزع، وحكي عن كعب الأحبار أنه مكتوب في التوراة: من أصابته مصيبة
فشكا إلى الناس، فإنما يشكو ربه.
4- اليأس من
جبر مصابه، وطلابه، فيقترن بحزن الحادثة قنوط الإياس، فلا يبقى معهما صبر، ولا
يتسع لهما صدر.
5- أن يغرى
بملاحظة من حيطت سلامته، وحرست نعمته، ويرى أنه قد خص من بينهم بالرزية بعد أن كان
مساوياً.
أجزاء قيد الجزع:
يحتوي الجزع على أجزاء بمثابة حلقات القيد لا تقل خطراً عن
الجزع وهي:
1-الخوف: يقول الراغب: الخوف
توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة.
2-الفزع: وهو انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء
المخيف. قال الراغب، وهو من جنس الجزع، وهو ناتج عن الخوف الشديد.
3-الهلع: فهو أشد الجزع والضجر.
هذه الأمور الثلاثة بالإضافة للجزع وإن كانت متقاربة في
معناها العام إلا أنها مختلفة في الدرجة والكيفية، فأول ذلك الخوف، فإن زاد
وصاحبه اضطراب وانقباض صار فزعاً، فإذا زاد الفزع وأقعد صاحبه عن العمل
وأورثه حزناً أصبح جزعاً، فإن زاد الجزع صار هلعاً.
وكلها قيود تمنع الإنسان من التطور والارتقاء، وتزيد من
ضعفه وترديه.
عبور للجسر قبل الوصول...
أكد مسح على عينة من الناس بأن:
40%• من الأمور
التي نجزع عليها هي أمور من المستحيل أن تقع.
• وأن 30% مما نجزع
عليه أمور وقعت بالماضي وانتهت تماماً.
• وأن 12% من الأمور
التي نجزع عليها تخص آخرين، ولا تخصنا مباشرة.
• وأن 10% من الجزع
يتعلق بالأمراض التي نصاب بها، سواءاً أمراضاً حقيقية أو نتخيلها.
• وأن 8% من الجزع لا
يستحق أن نبذل طاقة للجزع من أجله.
هذه الأمور الخمسة التي بينها (هافري) كلها أمور وهمية،
أو لا تستحق أن نجزع عليها، أو أنها أمور من المستحيل أن تقع، فلماذا نزيد
من تكبيل أنفسنا بمثل هذه الأوهام التي تزيد من تكبيل أنفسنا بمثل هذه
الأوهام التي تزيد من ضعفنا، وتمنع تقدمنا وتفوقنا؟؟
نصيحة الشافعي:
ما أروع ما ينصحنا به الإمام الشافعي بأبيات من الشعر
تشع حكمة وخبرة في هذه الحياة، وتعلقاً بالمعاني الإيمانية القرآنية
التي هي بمثابة البلسم عند حلول الخطوب:
دع الأيام تفعل ما تشاء وطب
نفساً إذا حكم القضاء
ولا
تجزع لحادثة الليالي
فما
لحوادث الدنيا بقاء
وكن رجلاً على الأهوال صلباً وشيمتك
السماحة والوفاء
وإن
كثرت عيوبك في البرايا
وسرك
أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيب يغطيه
كما قيل السخاء
إن تذكر المؤمن بأن الله يقدر كل شيء، وأنه لا يقدر إلا الخير،
وأن الدنيا زائلة غير باقية، وأنه لن ينفع الإنسان إلا عمله الصالح
كفيل بتحطيم قيد الجزع، وهذا ما أراد أن يوصله الإمام الشافعي لذلك الجازع
من المصيبة.
آثار الجزع:
للجزع آثار صحية كثيرة تسبب الكثير من الأمراض الجسدية
والنفسية منها:
1- أمراض
القلب.
2- أمراض
الجهاز الهضمي.
3- الأمراض
الجلدية.
4- جميع
المشاعر السيئة.
5- الأمراض
النفسية (الكآبة، الوسواس، الفصام، الاضطراب...).